حول اصل الصابئة المندائيين
تيتو بصراوي
إن دراسة تاريخ الصابئة المندائيين هو جزء من دراسة تاريخ العراق العريق. فتواجد الصابئة منذ قرون طويلة في جنوب مابين النهرين واللغة التي ينطق بها الصابئة المندائيون هي اللغة الآرامية بلهجتها الشرقية ويتكلم الصابئة المندائيون اللغة المندائية وهي إحدى اللغات السامية المشهورة في الزمن القديم وهي اقرب إلى السريانية من غيرها ويعتقد المندائيون إن لغتهم هي التي يتكلم بها سيدنا ادم عليه السلام.
ويعتبر دين الصابئة واحد من أقدم الأديان، حيث يؤمنون بان كتابهم المقدس ((الكنزاربا)) يتضمن الصحف الاولى التي نزلت على آدم ويسمى ايضا ((سيدرا ادم)) .
وقد اختلف المؤرخون في أصل الصابئة المندائيين ونشأة دينهم ومصادره الأولى اذ يؤمنون بالله الواحد الأحد وبأنبيائه، كذلك يؤمنون بالنبي ادم عليه السلام وشيت وسام بن نوح وإبراهيم الخليل وأخيرا بالنبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان ) وهو اخر انبيائهم. ويتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم وفي ممارسة شعائرهم الدينية نحو جهة الشمال وذلك لإيمانهم بان عالم الأنوار في هذا المكان المقدس من الاكوان. أما في صلاتهم فيعتقدون إن سيدنا ادم عليه السلام كان يصلي سبع صلوات في اليوم، واستمرت عندهم هذه الصلاة حتى ظهور النبي يحيى (ع) الذي جعلها ثلاث مرات.
أما كتبهم المقدسة فاهمها الكنزاربا أي الكتاب المقدس (الكنز العظيم) يحتوي على صحف ادم (ع)، كذلك على بدء الخليقة والتطورات التي حدثت للبشر وفي صفات الخالق وفي الوعظ والإرشاد . أما الكتاب الثاني (ادراشا اديهيا) أي تعاليم النبي يحيى (ع).
فمن هم المندائيون؟ ومن أين أصلهم ونشأتهم؟ وما هي حقيقة ديانتهم؟ وما هي عقائدهم وطقوسهم وشعائرهم الدينية؟ وكيف يتعبدون؟ أرجو أن أوفق في الإجابة على هذه الأسئلة من خلال هذا البحث .
أصول وتسمية الصابئة المندائيين
تواجد الصابئة المندائيون منذ القدم في جنوب ما بين النهرين , واللغة التي ينطقون بها هي اللغة المندائية الآرامية بلهجتها الشرقية .
والمح الكثير من المؤرخين المسلمين إن معتقدات الصابئة المندائية برزت في بابل أولا.وقد تمخض البحث في منشأ المندائيين عن نظريتين الأولى : إنهم من سكان ما بين النهرين القدماء وإنهم ورثوا الكثير من الميثولوجيا البابلية ولكنهم تأثروا باليهودية بحكم تجاورهم مع اليهود التي كانت تسكن ما بين النهرين, وقد تأثروا بالمسيحية من خلال الاحتكاك بالنساطرة المسيحيين .
أما النظرية الثانية فيرى البعض إن منشأهم كان في الغرب، في منطقة البحر الميت(فلسطين) أو في شرق الأردن حيث كانوا يمارسون شعيرة التعميد هناك .
الصابئة المندائية وبلاد النهرين
لقد أشار العديد من المؤرخين إلى إن معتقدات الصابئة المندائية برزت لأول مرة في جنوب ما بين النهرين . فقد ذهب هنري لايرد عالم الآثار البريطاني الذي أسهم في الكشف عن الآثار الأشورية إلى أن الدين الآشوري في أيامه المبكرة الأولى وقبل أن تمسه التأثيرات الفارسية وغيرها ( هو امتداد للدين البابلي ) كان صابئي المنحى (1).
ولكننا نرى إن الصابئة المندائية تمتد إلى ما قبل ذلك وبالتحديد إلى العهد السومري، ولدعم هذه النظرية نقوم بمقارنة بين الدين الصابئي والسومري . فكلا الديانتين تعظمان الماء وتضعانه في منزلة عظيمة .
فقد كان في الزمن السومري اله اسمه (آيا) اله المياه وهو يجلس في مقصورة من الماء الجاري. وترى الليدي دراور إن البركة الطقسية ذات العلاقة بـ(آيا) اله المياه كانت تشكل جزءا من العقائد السومرية في (اريدو) المدينة. وقد بحث الأب (بوروز) (مشاكل من ابسو, روما1932) واستنتج بأنه لم يكن مبزل سوائل كما اقترح سابقا, بل لا بد انه كان حوضا أو بركة, وأشار إلى أن بعض أسماء شعائر(ابسو) في (لاكش) تشير إلى برك متصلة بقنوات أو ما يشابهها (2).
ان طغيان الماء في الشعائر والطقوس الصابئة المندائية يمثل تمسكا قويا بأصل ديني بعيد يعود إلى العهود السومرية . فيعتقد الصابئة المندائيون إن الإنسان عندما يموت تنقل نفسه إلى العالم الآخر. هناك تحاسب النفس وتوزن أعمالها فإذا كانت الحسنات كثيرة تصعد إلى عالم الأنوار أما إذا كانت السيئات أكثر فانها تذهب إلى (المطراثي) وهي رحلة تمر بها النفس بسبع محطات (عوالم الحساب).
الحالة نفسها نجدها عند السومريين فهم يرون إن الإنسان عندما يموت تذهب روحه إلى العالم الآخر وتجتاز هذه الروح البوابات السبعة ثم تذهب إلى مستقرها في العالم الأسفل(3). كما إن هناك تقليد ديني مندائي يتضمن إطلاق اسم ديني على الصابئي بالإضافة إلى اسمه المعلن , ويستعمل هذا الاسم في طقس التعميد والمناسبات كالزواج والوفاة وغيرها . وهو يسمى بـ (الملواشة) وهو اسم ديني حيث ينسب الفرد الى امه.
إن هذا التقليد هو تقليد سومري حيث كان يطلق أسماء على رجال الدين . حيث يعتقد بان ممارسة السحر الأسود أو الضار يسري على الاسم الديني وليس على الاسم المعلن , وكان الكهنة يتحاشون الكشف عن أسمائهم الدينية لكي لايتعرضوا إلى أخطار السحرة والأعداء(4).
كما وتأتي جذور الصلة بين الديانتين الصابئية والمندائية والديانة البابلية هو أن كلا الديانتين تقدسان الشمس باعتبارها قوة للخير .
كذلك فان الديانتين تنزلان الماء منزلة عظيمة فكان سكان مابين النهرين ترى أن الماء يدخل في كل جانب من جوانب حياتهم . وقد ظل سكان بلاد الرافدين يقدسون الماء ويضعونه بمنزلة عظيمة فاعتبروه أداة للتطهير . لقد كان من تقاليد الطقوس اليومية للمعبد البابلي أن يجري غسل تماثيل الآلهة, ورش المعبد بالماء الطاهر(5) .
أما بالنسبة للصابئة المندائيين فالماء هو مصدر الحياة ذاتها. ففي الوضوء أو ما يسمونه بـ(الرشامة) التي تجري عند النهر الجاري يقول المندائيين (أبرخ يرد نه آدميه هيي مشبه ماري كشطة سنخون).وتعني ( تبارك الماء العظيم ماء الحياة سبحان الهي احفظ عهده ) كذلك يقولون في الوضوء (مللين ابملالي اد زيوه وازهي طن بصري دنهور) وتعني (لينطقا بكلام النور وليكن ضميري نقيا مؤمنا بالصلاح)(6). وكذلك يطهر المندي سنويا وفق طقوس خاصة بالماء.
ويلتقي الصابئة المندائيون بالبابليين بلباس التعميد الأبيض (الرستة) لدى المندائيين باللباس الأبيض الذي كان يرتدونه الكهنة في بابل(7) .ويحرم المندائيون حلق اللحى وشعر الرأس كذلك البابليون رغم إن عامة الصابئة لا يتقيدون بهذا التحريم اليوم,إلا إن رجال الدين منهم ملزمون تماما بهذا التحريم فهم يتركون لحاهم وشعر رؤوسهم.
أما في حالة الوفاة فيعتقد الصابئة إن نفس الميت لاتصعد إلى السماء إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الوفاة وخلال هذه الأيام الثلاثة تظل النفس تحوم ما بين القبر وبيت الميت وبعد الأيام الثلاثة تأخذ سبيلها إلى السماء . نفس الصورة نجدها لدى البابليين. فروح الميت عندهم تبقى تحوم ثلاثة أيام بعد إيداع جثمانه القبر(
.
الجزء (1) كملو معة جزء (2)